في مساء الأحد الأخير من مارس 1966، هم المواطن الإنجليزي ديفيد كوربيث بربط الحبل حول عنق كلبه بيكلز الذي أهداه له شقيقه بعد أن أفسد أثاث منزله، وغادر به شقته التي تقع في الدور الأرضي في ضاحية توروود جنوبي العاصمة لندن، من أجل إجراء مكالمة من الهاتف العمومي.
لم يكن يدري كوربيث أن هناك مفاجأة لا يتخيلها تنتظره في الخارج. فبمجرد خروجه من منزله، اندفع الكلب نحو لفافة ملقاة أمام العجلات الأمامية لسيارة جيرانه، فالتقطها وقام بتمزيق ورق الصحيفة ليجد تمثالاً لسيدة تحمل طبقاً مكتوباً عليه "ألمانيا – أوروجواي – البرازيل" ليعود لمنزله بسرعة البرق ويخبر زوجته التي كانت لا تحب الرياضة قائلاً لها (لقد وجدت كأس العالم.. لقد وجدت كأس العالم).
كانت تلك اللحظات الفارقة في رواية سرقة كأس العالم 1966 قبل فترة وجيزة من انطلاق البطولة التي تنظمها إنجلترا بحسب ما نقلت صحيفة الجارديان البريطانية عن كوربيث في عددها الذي صدر في 23 أبريل 2006.
كانت بداية الرواية في 20 مارس 1966، عندما تمت سرقة كأس العالم التي كانت إنجلترا تقوم بعرضها في خزانة زجاجية في قاعة سنترال هول في وست مينستر للزوار، وكان يتناوب على حراستها خمسة أفراد، كان أحدهم في اجازة ، وبينما كان الأربعة الآخرون يتناولون الشاي، غافلهم اللص وقام بسرقة الكأس من الباب الخلفي، وهو ما اكتشفه الحارس جورج فرانكلين.
ما حدث أصاب السير ستانلي روس رئيس الاتحاد الإنجليزي في الفيفا بالجنون، فلم يعد متبقياً سوى ثلاثة أشهر ولا توجد كأس تقدم للفائز ، بدأت التحقيقات في الواقعة على الفور تحت قيادة المفتش بيل ليفل الذي بدأ عمله بالاستماع إلى أقوال فرانك هدسون قائد الحراس والسيدة مارجريت كومبيس التي كانت متواجدة وقت الواقعة في جزء آخر من القاعة.
أفادا بأن شخص تسلل بين الزوار وقام بالسرقة، لتعلن الشرطة عن أنها تبحث عن لص واحد قام بالواقعة، حاول الاتحاد الإنجليزي بدوره تدارك الأمر من خلال صنع نسخة مقلدة من الكأس بنفس نوع الذهب الخالص المصنوعة منه النسخة المسروقة.
وبمجرد الإعلان عن سرقة الكأس، وصل إلى الشرطة العديد من الروايات حول الكأس المسروقة، إلى أن تلقى لين باجي رئيس شرطة الميتروبوليتان مكالمة من جو ميزر رئيس نادي تشيلسي والاتحاد الإنجليزي يوم الأربعاء التالي للسرقة.
أبلغه ميزر عن تلقيه اتصالاً من شخص يدعى جاكسون يخبره أن طرداً سيكون موجوداً غداً في ملعب تشيلسي يتضمن رسالة لابد من تنفيذ ما فيها حتى تعود الكأس، وهو ما حدث بالفعل حيث طلب السارق 15 ألف جنيه إسترليني مقابل إعادة الكأس.
وبالفعل تم الاتفاق على مقابلته من أجل دفع الفدية يوم الجمعة، وخلال ذلك كانت الشرطة تترقب الأمر فحاول الهرب لكن تم القبض عليه ، اتضح أن اسم اللص الحقيقي كان إدوارد بيتشلي وهو جندي سابق في الجيش الملكي البريطاني (46 سنة) وأمضى خدمته خلال الحرب العالمية الثانية في مصر وإيطاليا قبل تسريحه بتهم مختلفة في يناير 1946،كما أنه اتهم بتهريب علب اللحم المحفوظ عام 1954.
وخلال التحقيق معه في مركز شرطة رونشستر قال أنه مجرد وسيط تلقى 500 جنيه إسترليني مقابل خدماته وأن الرجل وراء العملية معروف باسم بول الذي لم يتم التأكد من أنه شخصية حقيقية.
بعد ذلك بيومين، عثر بيكلز على الكأس، وسارعت وسائل الإعلام العالمية لتغطية الخبر على مستوى الكرة الأرضية وكان بطلها المتوج هو الكلب بيكلز وصاحبه كوربيت الذي وصل إلى مركز شرطة جيبسي هيلز وهو بملابس النوم، وهناك اعتبرته الشرطة المتهم رقم واحد في القضية وتم اقتياده لسكوتلانديارد للتحقيق معه.
تحدث كوربيث عن ذلك للجارديان قائلا: "تحولت إلى المتهم الأول في القضية وجلس حولي أكثر من 20 محققاً يتلقون المكالمات، وسمعت أحدهم يقول ’فتشنا مدرجات الملعب لأن مجهولاً قال أن الكأس تحت المقعد رقم سبعة،‘ وواصلت الشرطة استجوابي حتى الساعة الثانية والنصف صباحاً قبل أن يتم إخلاء سبيلي. وعندها تساءلت ’لماذا لم أحتفظ بالكأس لنفسي؟‘"
دخل بيكلز عالم الشهرة من أوسع أبوابه، فنال جائزة كلب العام، و تكفل أحد المطاعم بتقديم وجباته لمدة عام مجاناً، ووصلته دعوات لزيارات تشيلي وألمانيا وتشيكوسلوفاكيا، وبات يدر دخلاً لكوربيث بقيمة 60 جنيه إسترليني يومياً، وتحول إلى نجم سينمائي فشارك في فيلم "الجاسوس ذو الأنف البارد،" وكذلك برامج تليفزيونية مثل "ماكبي" و"بلو بيتر."
حصل بيكلز على جائزة مالية قدرها ثلاثة آلاف جنيه إسترليني اشترى بها كوربيث منزلاً في حي لينجفيلد لتدور الأيام ويدفن في حديقته بعد وفاته أثناء مطاردته لقطة انتهت بالعثور عليه معلقاً من سلسلته فوق شجرة ، لتنهي حياته وتبقي قصته خالدة تتوارثها الأجيال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق